د . محمد العريفي
يقولون : إن الناصح كالجلاد ، وبقدر مهارة الجلاد في الجلد يبقى الألم ؛
أقول : مهارة الجلد ، لا قوة الجلد !!
فالجلاد العنيف الذي يضرب بقوة ، يتألم المضروب وقت وقوع السياط ، ثم ما يلبث حتى ينساها ؛ أما الجلاد الأستاذ في صنعته ، فقد لا يضرب بقوة ، لكنه يعلم أن يوقع السوط ؛
كذلك الناصح ، ليست العبرة بكثرة الكلام ، ولا طول النصيحة ، وإنما بأسلوب الناصح ؛
فاختصر قدر المستطاع ؛ إذا أردت أن تنصحه فلا تلق عليه محاضرة !! خاصة إذا كان الأمر متفقاً عليه ، كمن تنصحه عن الغضب ، أو شرب الخمر ، أو ترك الصلاة ، أو عقوق الوالدين .. الخ
تأملت النصائح النبوية الشخصية المباشرة ، فوجدتها لا تزيد الواحدة منها عن سطر واحد ، أو سطرين ؛
اسمع : " يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الثانية " انتهى ، نصيحة باختصار.
" يا عبد الله بن عمر ، كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل " انتهى.
" يا معاذ ، والله إني أحبك ، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ".
" يا عمر ، إنك رجل قوي ، فلا تزاحمن عند الحجر " وكذلك كان العقلاء بعده.
لقي أبو هريرة الفرزدق الشاعر فقال : " يا ابن أخي ، إني أرى قدميك صغيرتين ، ولن تعدم لهما موضعا في الجنة ، ( يعني فاعمل لها ) ، ودع عنك قذف المحصنات في شعرك ".
اترك الجدال قدر المستطاع ، خاصة إذا شعرت أن الذي أمامك يكابر ، فالمقصود إيصال النصيحة إليه ، وقد ذم الله الجدال : ( ما ضربوه لك إلا جدلاً ) ؛
وقال عليه السلام : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا : " أنا زعيم لبيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال وإن كان محقاً ".
أحياناً يقتنع الشخص بالفكرة ، لكن أكثر النفوس فيها أنفة وكبر ، ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ) ؛
فالغاية عندك أنت أصلاً أن يعرف الخطأ ليتجنبه في المرة القادمة ، وليس الغاية أن تنتصر أنت عليه ، فلستما في حلبة مصارعة !
وأحياناً قد يذكر المنصوح كلاماً يعتذر به ، وهو ليس عذراً مقنعاً ، لكنه يقوله " ليحفظ ماء وجهه " ؛ فكن سمحاً ، ولا تغلق عليه الأبواب ، بل أبقها مفتوحة أمامه وأنت تنصح ، وحتى لو تكلم بكلام خاطئ ، فيمكن أن تعالج خطأه من حيث لا يشعر ، كأن تقول : " صحيح ، وأنا معك أن الإنسان يفقد أعصابه غصباً عنه " ؛ وأثن عليه ، ثم قل : " ولكن .. " ، ثم انسف كلامه إن كان خاطئاً.