بناء المدينة..
من المعلوم أنَّ الخليفة أبا جعفر المنصور قد أشاد في الرقّة مدينة ج...ديدة سمّاها " الرافقة"
بنيت على شاكلة بغداد في أبوابها، وأسوارها، وفصولها، ومساحتها، ورحابها،
وفي استعمال مادة البناء نفسها وهي الطابوق، وقامت إلى جانب الرقّة البيزنطية، الأموية على مسافة "300 "
ذراع إلى الشمال الغربي، وكان سورها يتألف من سور مضاعف داخلي وخارجي بينهما فاصل،
وحفر حول السور الخارجي خندق، وكان عرض السور الخارجي يبلغ ( 5و4 ) أمتار،
وكان أساس السور من الحجر الكلسي، وشابهت بغداد في أبوابها، وبيوتها، وجعل للمدينة بابان،
الأول، يُسمى " باب بغداد" ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية، لايزال قائماً حتى اليوم، والثاني،
وهو " باب الجنان" وكان يقوم إلى جانب كل منهما برج مستدير نصف قطره ( 8و7) أمتار،
وظل اعتماد سكّان الرقّة حتى فترة ما بين الحربين العالميتين على أطلال الرقّة ف
ي استخراج مادة الطابوق اللازم لبناء بيوتهم، وقد رأى البرج العالم هرتزفيلد سنة 1908،
ولها باب ثالث يقع في الجهة الشمالية ما زال قائماً حتى اليوم، وأعيد ترميمه من جديد، ويسمى باب " أورفة " أو باب " حرّان ".
ويذكر الرحالة ابن حوقل في معرض كلامه عن المهدية في تونس ولها بابان ليس لهما فيما رأيته
من الأرض شبيه، ولا نظير إلا البابين اللذين على سور الرافقة).
وإذا علمنا أن موتها هذا بمثابة منفذ على الفرات الذي هو أشبه ما يكون بدهليز، تنفذ خلاله طرق المواصلات
التجارية من أقصى المغرب، ومصر، والشام، والجزيرة.. وكان قد مر معنا في المصادر أ
ن المنصور حينما اعتزم بناء بغداد واختار موقعها، قال: لتكونن أعمر مدينة في الأرض،
ثم لأبنين بعدها أربع مدن لاتخرب، واحدة منهن أبداً، فبنى " الرافقة "، ولم يسمها،
وبنى ملطية، وبنى المصيصة، وبنى المنصورة بالسند.
وذكر اليعقوبي، أن لهم في الفرات نهر عيسى العظيم، الذي يأخذ من معظم الفرات،
تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقّة، ويحمل فيها الدقيق، والتجارات من الشام..
ولقد كان من بين الحوافز التي حدت بالخليفة المنصور لبناء الرافقة، وغيرها ذلك البرنامج الجديد
الذي أوجدته ضرورة إقامة المدن المحصنة، إذ إن هذا الخليفة أحس بأن الأمويين ارتكبوا خطأ فاحشاً
لأنهم لم يتخذوا لأنفسهم مدينةً محصنة تحصيناً قوياً تستطيع أن تقاوم الأعداء لأطول مدة ممكنة، ورغب ف
ي إصلاح هذا الخطأ ببناء بغداد، ثم ولنفس السبب بنى " الرافقة " وهي أشبه ما تكون بقلعة قوية
بالقرب من الرقّة عند مجاري الفرات العليا، ووضع فيها حامية من الجند الخرسانيين، ودعم نفس الخليفة
حصون الكوفة، والبصيرة الدفاعية بمال جمعه من مواطني هاتين المدينتين، وقد بلغت الرقّة أوجها في
عصر الخليفة هارون الرشيد، إذ كانت قبل عام ( 180 هـ 796 م ) مصيفاً للخليفة،
ومنها تنطلق غزواته الصائفة لحرب الروم، ولقد اتسعت، ولم تعد بلدانها القديمة البيضاء،
والسوداء، والرافقة، وواسط كافية لاستيعاب سكانها فشيّد الرشيد بالرقّة " الوسطى "
وهي توسع الرافقة، واتصال الرقتين، فشملت جميع المنطقة السهلية الواقعة عند ملتقى الفرات
مع البليخ بما فيها من روابٍ، على هذا السهل،
كما أنَّ نهر الفرات بتغيير مجراه قد ذهب بجميع معالم المدينة الواقعة في الجهة الشامية المقابلة،
والمعروفة " بواسطة الرقّة ـ أو رقّة واسط " ومع ذلك فقد قدرت مساحة الأنقاض الباقية في مدينة الرقّة
الجزرية بخمسين كيلو متراً مربعاً.